استضاف «مدى الكرمل- المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة»، ضمن اللقاء الثاني من «سمينار ومنح لدعم طلبة الدراسات العليا» لعام 2024، أمل جمّال، أستاذ العلوم السياسيّة في «جامعة تل أبيب».
تناول اللقاء الجوانب النظريّة في الفكر والإنتاج المعرفيّ، حيث ركّز الضيف على الأنطولوجيا والأبستمولوجيا، وعلى كيفيّة توجيه البحث، وأهمّيّة الإطار النظريّ وتفاعله مع الواقع نحو إنشاء مقولات جديدة.
من أبرز النقاط الّتي جاءت في اللقاء:
* هناك نظريّتان تقدّمان فرضيّات أنطولوجيّة مختلفة لفهم الواقع والظواهر، وتطرحان تساؤلات حول الأشياء؛ هل لها جوهر أم لا؟ المدرسة الأولى الجوهرانيّة، وهي تعتبر الواقع موضوعيًّا، والثانية البنائيّة، وهي تعتبر الواقع بنائيًّا ونسبيًّا.
* المدرسة الفينومينولوجيّة أو الظاهراتيّة، تقدّم أنطولوجيًّا فرضيّة بنائيّة لا جوهرانيّة؛ عندما نتحدّث عن ظاهرة ما، فإنّنا نبتعد عن الحقيقة الجوهريّة وندخل في عالم الظواهر كما نراها بأنفسنا. بدلًا من التأكيد على الواقعيّة المطلقة للأشياء، فإنّ المدرسة الفينومينولوجيّة تركّز على كيفيّة تشكّل فهمنا وتفاعلنا مع الأشياء.
* نظريّة المعرفة (الأبستمولوجيا) تسأل: كيف نفكّر في الأشياء؟ ولا تكتفي بمناقشة السؤال المتعلّق بكيفيّة افتراض وجود الأشياء في الواقع، بل تسأل كذلك كيف وصلنا إلى هذه الافتراضات وكيف نؤكّدها؟ حيث لا يأتي الإنسان إلى الواقع لوحًا فارغًا (تبولاراسا)، وإنّما مع مفاهيم ومصطلحات وتجارب وأفكار معيّنة تنعكس في الأبستمولوجيا.
* النظريّتان الرئيسيّتان في المعرفة هما الوضعيّة (Positivism ) والتأويليّة (Hermeneutics ). ترى الوضعيّة أنّه يمكننا رؤية الواقع بشكل موضوعيّ، وكما هو فعلًا، من دون أيّ تأثير للعالم الشخصيّ لدى المشاهِد؛ أي إدراكه ومصطلحاته الخاصّة. على العكس من ذلك التأويليّة، الّتي ترى أنّنا نفسّر أو نؤوّل الظواهر الّتي نراها؛ أي أنّه ما من نظام محدّد في الواقع، بل نحن الّذين نبنيه بأنفسنا. وبناء على هذه النظريّة، الحركة البشريّة ليست منتظمة، ولا يوجد نظام في الطبيعة؛ بل نحن الّذين نُوجِد النظام بالتصرّفات والتحديدات الّتي نجعلها في الواقع.
* حين نبحث في مجتمع معيّن، ينبغي علينا أن نكون واعين تمامًا لتأثير مفاهيمنا، ولاستخدام المصطلحات والفرضيّات الأبستمولوجيّة والعلميّة الّتي نعتمدها. يجب علينا ترك التحيّز والحكم المسبق، والافتراض أنّ الأمور ليست بالضرورة كما نتصوّرها.
* يعتمد التنظير على المصطلحات والمفاهيم الّتي نستخدمها وعلى مدى وعينا لها عند دراسة ظواهر محدّدة، وخلال المراحل المختلفة للفهم، سواء كان ذلك بالتحليل الفحصيّ أو التفسير أو التعليل، حيث تختلف نقاط الانطلاق المعياريّة لدى الأشخاص المختلفين، ما يمكن أن يؤدّي إلى فهم مختلف للظواهر، وحتّى لعمليّات التفسير والتعليل. هناك خلط بين الحقائق وبين القواعد غير الرسميّة (المعياريّة) الّتي قد تحكم سلوك أفراد المجتمع وتعبّر عن التوقّعات الاجتماعيّة للسلوك المقبول.
* هناك توجّهان أساسيّان لكيفيّة توجيه البحث؛ الاستقرائيّ والاستنباطيّ؟ الأوّل يقوم بملاحظة الظواهر وتجميعها لبناء صورة عامّة، وهو الاستقراء، بينما الثاني ينطلق من النظريّة إلى الواقع، مؤكّدًا على أهمّيّة وعي الباحثين لطريقة بحثهم، سواء كانت استقرائيّة أو استنباطيّة، وإلى أيّ مدًى يدركون المصطلحات النظريّة الّتي يستخدمونها؟
لا بدّ للباحث من بناء الإطار النظريّ Theoretical Framework، استنادًا إلى القراءات المختلفة للباحث حول موضوعه. وحين يكون القالب النظريّ واضحًا، فإنّه يمكننا اختباره بناءً على إعماله في الواقع وفحص إلى أيّ مدًى يتوافق القالب النظريّ معه، على أن يكون الإطار النظريّ مساعدًا في تحليل الواقع لا ضابطًا له؛ أي أنّه على الباحث فحص إلى أيّ مدًى يخدمه القالب النظريّ خلال استقرائه أو ملاحظته لظواهر معيّنة، كما أنّ على عمل الباحث ألّا يقتصر على مراقبة ظواهر معيّنة، بل البدء في تفسيرها بشكل شامل وفحص علاقة الإطار النظريّ الّذي يقوم ببنائه مع الواقع.
العنوان:
